وفى مصر استقر أدوين سميث فى مدينة الأقصر وقام بدراسة الخط الهيروغليفى حتى بات خبيرا فى قراءة المكتوب على الآثار المصرية القديمة، وقد كان رجلا واسع الحيلة، حيث امتهن الربا وراح يقرض الناس ما معه من أموال بفائدة تصل إلى 5% شهريا، وعمل بتجارة القطع الأثرية القديمة.
فى الأقصر استأجر أدوين سميث منزلا من مصطفى الأغا بمحاذاة معبد رعمسيس الثانى، وفى يوم 20 من يناير من عام 1862 استطاع أن يشترى اثنتين من البرديات البالية لقاء اثنى عشر جنيها استرلينيا من أبناء عبد الرسول، فأماط اللثام عن واحد من أكثر الاكتشافات أهمية فى التاريخ الطبى.
وعندما سنحت الفرصة لـ سميث كى يعيد تفحص مشترياته عن كثب، اكتشف أن البرديتين اللتين ابتاعهما تشكلان كتيبين طبيين بدائيين، يصف أولهما ثمانى وأربعين حالة جراحية، وضمنا تشخيصها وعلاجها، فيما يضم الثانى مجوعة أكثر شمولية إنما عشوائية من الحالات الطبية والوصفات العلاجية، وقد عرفت البردية الأولى فيما بعد باسم بردية أدوين سميث الجراحية باعتبار أنه هو من ابتاعها، فى حين اشتهرت البردية الثانية باسم بردية إيبرز تيمنا بأستاذ ألماني ابتاعها لاحقا من سميث.
وعلى الرغم من أن كلا الوثيقتين يعتبر استثنائيا لما يكشفه من معلومات قيمة حول الممارسات الطبية للمصريين القدامى، إلا أن بردية إيبرز هى تحتل موقعا مركزيا فى هذه القصة.
الواقع أن بردية إيبرز التى تمتد على 110 صفحات، تشكل إلى يومنا هذا البردية الطبية الأطول والأكثر شمولية التى عثر عليها علماء الآثار المصرية وعمدوا إلى دراستها، أضف إلى ذلك أنها تعج بالرسوم والرموز، وعلى غرار الوثائق المماثلة تتجلى الكتابات على وجهى البردية.
وبردية إيبرز توضح أن المصريين القدامى استندوا إلى دستور شامل للعقاقير والأدوية يضم قرابة 160 وصفة علاجية ترتكز على الأعشاب والنباتات.
الجدير أن أحد الأصناف النباتية الوارد ذكرها فى بردية إيبرز يحتل مكانة بارزة، لا سيما وأنه شكل موضوع تحقيق منهجي خاص، وفى حين أطلق المصريون القدامى على هذا الصنف اسم تجريت) عرف فى اللاتينية باسم (ساليكس) أما نحن فنعرفه باسم "الصفصاف" ويشكل الصفصاف عنصرا حيويا من عناصر هذه القصة لأنه فى الواقع يحتوى على المكون الرئيسى للعقار الأكثر روعة الذى عرفه العالم، وأقصد به الأسبرين.
وبالعودة إلى "سميث" نكتشف أن أحواله تعثرت بحلول العام 1869 فكان عرضة لعدد من النكسات منها إصابته بالعمى وتدهور أوضاعه المالية، وفى واخر صيف العام 1869 وقع باعة القطع الأثرية المصرية على كتيب مبيعات يتضمن إعلانا حول "وجود بردية طبية ضخمة بحوزة إدوين سميث يقطن فى الأقصر يالقرب من طيبة" وكان أن بيعت البردية لقاء سعر لم يتم الإعلان عنه للألمانى جورج إيبرز، وهو أستاذ متخصص فى علم الآثار المصرية ووضع سلسلة من المؤلفات التاريخية الشعبية عن الفراعنة.