كتب أحمد راغب
السارح بخياله في دنيا الله، التائه في السراب الذي أرهقه وأتعبه كثيرًا، الشحاذ للحقيقة التي ظلّ كاتبًا مخلصًا لها بما تيسّر له من مقومات الأديب، الفيلسوف الذي يبحث بجدية عن ميتافزيقيا كل شيء، هو الآخذ بيدك ليجول بك بين دروب القاهرة القديمة وأحيائها التي عفا عليها الزمن في خصلة نوستالجيا عزيزة عليه لم يستطع أن يتخلى عنها لعشقه زقاق أحياء العاصمة المحببة لقلبه، والتي ظلّ بها دهرًا لم يغادرها إلا نادرًا خوفًا من الطيران فوق السحاب، إنّهُ النجيب محفوظ.
وُلد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم الباشا في حي الجمالية بالقاهرة في 11 ديسمبر 1911م، وأسماه والده بالاسم المركب "نجيب محفوظ" تقديرا للطبيب الشهير "نجيب محفوظ" باشا الذي أشرف على ولادته.
حصل محفوظ على ليسانس الفلسفة من جامعة القاهرة عام 1930م، واتجه بعدها للأدب والكتابة.
بدأ نجيب محفوظ الكتابة في منتصف الثلاثينيات، وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلة الرسالة. في 1939، نشر روايته الأولى عبث الأقدار التي تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية. ثم نشر كفاح طيبة، ورادوبيس منهياً ثلاثية تاريخية في زمن الفراعنة. وبدءاً من 1945 بدأ نجيب محفوظ خطه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية القاهرة الجديدة، ثم خان الخليلي، وزقاق المدق. جرب نجيب محفوظ الواقعية النفسية في رواية السراب، ثم عاد إلى الواقعية الاجتماعية مع: بداية ونهاية، وثلاثية القاهرة. فيما بعد اتجه محفوظ إلى الرمزية في رواياته: الشحاذ، وأولاد حارتنا، والتي سببت ردود فعلٍ قوية، وكانت سبباً في التحريض على محاولة اغتياله. كما اتجه محفوظ في مرحلة متقدمة من مشواره الأدبي إلى مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفنتازيا كما في رواياته: الحرافيش، ليالي ألف ليلة. وكتابة البوح الصوفي، والأحلام كما في: أصداء السيرة الذاتية، وأحلام فترة النقاهة، واللذان اتسما بالتكثيف الشعري، وتفجير اللغة والعالم. وتعتبر مؤلّفات محفوظ من ناحية بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبارها تدويناً معاصراً لهم الوجود الإنساني، ووضعية الإنسان في عالم يبدو وكأنه هجر الله أو هجره الله، كما أنها تعكس رؤية المثقّفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة.
ألف محفوظ 35 رواية و19 مجموعة قصصية و7 مسرحيات، تحول العديد منها لأعمال سينمائية وتليفزيونية وإذاعية. كما كتب محفوظ 19 سيناريو لفيلم، من أشهرها: ريا وسكينة- جعلوني مجرما- شباب إمرأة- الفتوة- ساحر النساء- أنا حرة- بين السما والأرض.
نال محفوظ جائزة نوبل في الآداب لعام 1988م عن مجمل أعماله. وبسبب كرهه لركوب الطائرات، فقد استلمت ابنتاه الجائزة نيابة عنه.
بعد أن نجا من محاولة اغتيال أثرت على قدرته على الكتابة. رحل عن عالمنا في 30 أغسطس 2006م عن 94 عاما.
أما عن العملة فقد أصدرتها مصر في 1409هـ - 1988م تكريما لحصوله على جائزة نوبل. العملة فئة الخمسة جنيهات من الفضة عيار 720، وتم سك 15000 قطعة منها.
تصدر دار الشروق جميع أعماله.
واليوم تحل ذكرى الخامسة عشر لوفاته وفقدنا له، وفقدنا لحجر زاوية الأدب العربي المصري الأصيل، ولا شيءَ لنا قولًا إلا أن نهمس بهدوءٍ على قبره العطِر، ارقد بكل سلام أيها العاشور الناجي.