"مبارك أرض مصر .. مبارك شعب مصر"، دعوة صادقة للمحروسة وشعبها، دعا بها السيد المسيح، بعد أن وجدت العائلة المقدسة (السيدة مريم - سيدنا عيسى - يوسف النجار)، في أرض الكنانة وبين أحضان شعبها، ملجأ من بطش الملك هيردوس، ليمكثوا على أرض مصر نحو ثلاث سنوات، وسط حفاوة وترحاب، ليبارك المسيح بدعوته هذا الشعب وهذه الأرض.
ونعرض خلال السطور القادمة، رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر، تزامنا مع أعياد الميلاد المجيد.
البداية..
"رحلة العائلة المقدسة، بدأت من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق غرب العريش"، هذا ما أوضحه رشدي محمد خلف، مفتش الآثار بإدارة الوعي الأثري في سوهاج لـ"بوابة الأهرام"، متابعا؛ ثم دخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية، من جهة الفرما الواقعة بين مدينتى العريش وبورسعيد، ومن ثم توجهت إلى مدينة تل بسطا، بالقرب من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وعندما وجدوها مليئة بالأوثان، توجهت العائلة المقدسة للجنوب حتى وصلت مسطرد، ومن مسطرد انتقلت شمالا إلى بلبيس.
واستكمل رشدى قائلا، إن العائلة المقدسة عبرت نهر النيل، متوجهة إلى سمنود وهناك استقبلهم شعبها استقبالا حسنا فباركهم المسيح، ويمكن لزائر هذه المدينة، الراغب فى اقتفاء أثر العائلة المقدسة أن يشاهد فيها "ماجورا كبيرا"، مصنوعا من الجرانيت، يقال إن السيدة العذراء استخدمته فى صنع العجين أثناء وجودها، كما يوجد أيضا بئر ماء باركه عيسى عليه السلام بنفسه.
مدينة سمنود..
أشار "رشدي" إلى أن المحطة التالية لرحلة العائلة المقدسة، كانت مدينة سمنود التى رحلت إليها شمالا إلى منطقة البرلس "محافظة كفر الشيخ حاليا"، ومن ثم إلى وادى النطرون، ومنه توجهت ناحية مدينة القاهرة، وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية، متجهه ناحية المطرية، وعين شمس، وكانت عين شمس يسكنها فى ذلك الوقت عدد كبير من اليهود، وكان لهم معبد يسمى "أونياس".
معجزة المسيح..
فى المطرية فجر السيد المسيح ضمن معجزاته، نبعا من المياه التى شرب منها وباركها، ويقال إن السيدة العذراء قد غسلت ملابس المسيح، وصبت الماء على الأرض فنبت فى تلك البقعة نبات عطرى ذو رائحة جميلة، هو المعروف "بنبات البلسم (البلسان)"، ويقال أيضا إن هذا النبات نتج عن عصا كان يحملها يوسف النجار بيده، يؤدب بها المسيح فأخذها المسيح وكسرها، ووضع كل قطعة فى مكان، وحفر بيده فخرجت الماء، وسقيت هذه القطع فأنبتت فى الحال، وسميت بشجرة البلسان.
مصر القديمة..
ومن منطقة المطرية وعين شمس، سارت العائلة المقدسة متجهة إلى الزيتون، ومن ثم إلى مصر القديمة، والتى تعتبر من أهم المناطق والمحطات، التى حلت بها العائلة المقدسة فى رحلتها إلى أرض مصر، ويوجد بها العديد من الكنائس والأديرة، وقد تباركت هذه المنطقة بنزول العائلة المقدسة بها، ثم توجهت عقب ذلك إلى منطقة المعادي، وأقلعت على ظهر مركب شراعى بالنيل، متجهة نحو الصعيد وصولا إلى بهنسا.
دير السيدة العذراء..
ويواصل رشدى، حديثه، لافتا إلى أن العائلة المقدسة انتقلت فى مسار رحلتها فى مصر بعد ذلك، من بهنسا إلى ناحية الجنوب حتى سمالوط، ومنها عبرت النيل ناحية الشرق، حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير، واستقرت هناك بالمغارة الموجودة بالكنيسة الأثرية، ثم عبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية وإتجهت نحو الأشمونيين.
بيت لحم الثاني..
ثم توجهت العائلة المقدسة نحو مير، ثم إلى جبل قسقام، حيث يوجد الآن دير المحرق، ومنطقته، والتى تعد من أهم المحطات التى استقرت بها حتى سمى المكان (ببيت لحم الثانى)، ومكثت فيه نحو 190 يوما، وفى هذا الدير جاءت البشارة ليوسف الشيخ فى المنام قائلا "قم وخذ الصبى وأمه، وإذهب إلى أرض فلسطين؛ لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى".
وأخيرا يروى "رشدي" أن العائلة المقدسة حرصت فى طريق العودة على اتخاذ طريق آخر، إنحرف بهم إلى الجنوب قليلا، حتى جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة، وباركته العائلة المقدسة، ثم وصلوا إلى مصر القديمة، ثم المطرية، ومنها إلى سيناء ثم فلسطين.
وهكذا انتهت رحلة المعاناة التى استمرت أكثر من ثلاث سنوات، ذهابا وإيابا قطعوا فيها مسافة أكثر من ألفى كيلو متر، ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة ركوبة ضعيفة، إلى جوار السفن أحيانا فى النيل، وبذلك قطعوا معظم الطريق مشيا على الأقدام محتملين تعب المشي، وحر الصيف، وبرد الشتاء، والجوع، والعطش، والمطاردة فى كل مكان، فكانت رحلة شاقة بكل معنى الكلمة.