د. خالد قنديل يكتب: درس في التكافل مع ست الحبايب
الكاتب الدكتور خالد قنديل
لقد دأبت والدتي الحبيبة على نصحنا أنا وأخوتي والعمل على تنشئتنا محبين وتواقين للخير ، فمنذ كنت طفلًا صغيرًا إلا وكانت أمى الحبيبة تتبع خطانا أنا وإخوتي لتبث فينا تعاليم الدين الحنيف، فقد كنت في سن مبكرة أرتل معها القرآن وأصلي وأصوم، وكان أمرا راسخًا في وجداني ولا يزال أن تعلمت منها قيمة مساعدة غير القادرين، والحكمة الحقيقية التي أرادها الله سبحانه وتعالى لعباده في التكافل الاجتماعي والتي غالبا ما تكثر على نحو مبهج ومطمئن في الشهر الفضيل، ولنتأمل قيمة الآية الكريمة ("لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" (آل عمران/ 92)، هذه القيمة التى رسخها فينا الدين الحنيف، لما لها من بعد اجتماعي كبير وتؤسس لمدرسة مهمة في تعاليم الحياة والعيش بين الناس بالحسنى يقول تعالى في محكم آياته (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )، ولعل أبرز مظاهر شهر رمضان المبارك هو التكافل الاجتماعي الذي يعد في الأساس نابعًا من الإحساس بالناس وإشفاق كل منا على حال الآخر، فالتكافل لا شك أحد أعمال الخير والبركة التي تنمو وتربو وتتزايد في هذا الشهر الفضيل على المجتمع بجميع فئاته الغنية والفقيرة، وكم هو أمر باعث على الطمأنينة والرحمة والخير أن جعل الله شهر رمضان وقتا مليئا بالخير والبركات، حيث يتخذ التكافل الاجتماعي أسمى المعاني حين نرى تعاضد أبناء الأمة والمجتمع الواحد فيما بينهم، ما يلهمنا ويدفعنا للشعور بالصيام وروحانياته برضا نفس وطمأنينة والإحساس بالتوفيق للخير الذي يعد منحة من الرحمن لنا، إذ تتوحد في الشهر الكريم الفضيل قلوب وضمائر ونيات الناس جميعًا، فلا يكون هناك فرق بين غني أو فقير إلا في صدق العبادة لله وحده، ويؤدي الجميع فريضة الصيام طاعة وحبًا وتقربًا لله الغني العزيز الكريم الرحيم.وما أجمل وأبهى وأنقى أن يكون هذا العطاء الذي هو في الأصل فضل من الله في شهر رمضان شهر التكافل والتضامن الاجتماعي والتآزر وتقديم العون لكل محتاج، ولنسلك طريق هدى رسولنا الصادق الأمين الكريم، المعلم الأول الذي قال (لَأَنْ أمْشِيَ مع أخِي المسلمِ في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ من أنْ أعتكِفَ في المسجدِ شهْرًا).
واليوم وأنا أكتب مقالي هذا بجوار أمي في المستشفى، متذكرًا لحظات نصحها المستمر لي ولإخوتي والذي لم ينقطع أبدًا حتى كبرنا وهي على دأبها تصنع إنسانيتنا وتجعلنا مسئولين وفخورين بسلوكنا ودوافعنا الإنسانية، ولا تزال رغم مرضها على العهد فتسألتي هل أعددت كراتين رمضان وبدأت توزيعها؟ هل جهزت نفسك لإفطار الصائمين؟ وها أنا اليوم جوارها أستمع لها، أستشعر وجعها وألمها في قلبي، وأقول لها شدي حيلك وقومي بالف سلامة يا أمى، وأن كل شيء جاهز ونحن في انتظارك راجين المولى أن يمن عليكِ بالشفاء والعافية والسلامة والبركة في العمر، لتشدي على يدي كعهدك ونوزع كراتين رمضان معًا، فكل ما هو جميل في الشهر الفضيل وسائر الأيام ينتظرك، وننتظرك تعلميننا فعل الخيرات كعهدنا بكِ ومعكِ يا ست الحبايب.