مما لا جدال فيه أن الدولة المصرية استطاعت خلال السنوات القليلة السابقة أن ترسخ قواعد ورؤى واضحة لمواجهة التحديات المختلفة، وذلك من خلال خطوات جادة وأكيدة في اتجاه بناء الدولة على المستويات كافة، وبتحديد الأولويات والمضي قدما في تنفيذ خطط التنمية المختلفة التي شملت محاور مهمة أبرزها بناء المواطن وتوفير احتياجات الحياة الكريمة، وتهيئة الأجواء والبيئة المصرية لإصلاح اقتصادي واجتماعي شامل، واتخاذ حزمة من الإصلاحات التشريعية والمؤسسية، وكذلك تحسين وتطوير البنية التحتية لخلق مناخ ملائم للاستثمار، الأمر الذي نتج عنه نجاح ملموس أشادت به المؤسسات الدولية والعالمية.
وتأتي الشراكة التي تم توقيعها بين مصر والأردن والإمارات كأبرز الأحداث في الفترة الأخيرة، حيث تمثل هذه الشراكة خريطة استثمارية بين الدول الثلاث لتنفيذ مشاريع فارقة في مستقبل الوطن العربي كله، فضلا عن أن تدشين مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية من أجل التنمية الاقتصادية المستدامة، تجسد الهدف المنشود نحو تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، ومن هنا جاء التوجيه الدال من رئيس الجمهورية بالتنسيق والتعاون الوثيق بين جميع الوزارات، وكل أجهزة الدولة والجهات المعنية لسرعة تفعيل مبادرة الشراكة والبدء في تنفيذ المشروعات التي تتضمنها في مختلف القطاعات، ففضلا عن التكامل الاقتصادي الذي تحققه هذه الشراكة، فإنها تمثل ترجمة عملية وواقعية لشعارات جامعة الدول العربية بتفعيل حقيقي لبنود المقابلات العربية العربية على أرض الواقع.
وقد أثمرت نتائج زيارة الوفد المصري للإمارات العربية المتحدة الشقيقة، نتائج عدة منها إطلاق مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة بين مصر والإمارات والأردن، وإنشاء صندوق استثماري باستثمارات بنحو 10 مليارات دولار لتنفيذ مشروعات مبادرات الشراكة، وهذه الخطوات الواثقة في حد ذاتها يترتب عليها حصد نتائج مهمة، حيث تفعيل الشراكة بالاعتماد على المقومات والخبرات من عمالة ومواد أولية، وموقع جغرافي إستراتيجي، وبنية تحتية في اتجاه شراكات تنموية بناءة تستفيد من مجالات التكامل المتباينة، وبما يخدم فكرة الاكتفاء الذاتي التي تعد غاية منشودة وضرورية خصوصًا في الوقت الراهن، ومن ثم السعي الجاد لتطوير الصناعات التنافسية ذات المستوى العالمي في مجالات حيوية ومهمة كالأدوية والزراعة والأغذية والبتروكيماويات والمعادن والمنسوجات، وكذا تشجيع مشاركة القطاع الخاص، وفتح الأسواق لتشجيع نمو وتكامل في القطاع الصناعي، الأمر الذي يعود بالنفع على شعوب الدول الثلاث بل وشعوب المنطقة، إذ يعد نواة راسخة لتعاون أكبر ومستمر يصل لأبعد الآفاق، فالإمارات العربية المتحدة تمثل الشريك التجاري الثاني لمصر العربية في منطقة الخليج والتاسع على مستوى العالم وقد ارتفع حجم التبادل التجاري المصري مع الإمارات خلال يناير الماضي إلى 362 مليون دولار، بزيادة تُقدر بـ 24 مليون دولار، كما شهدت حركة التبادل التجاري بين مصر والأردن ارتفاعًا كبيرًا، بلغت فيه قيمة التبادل التجاري نحو 915.6 مليون دولار العام الماضي.
إن التحرك الجاد نحو تحقيق التكامل الاقتصادي العربي يسعى إلى إزالة القيود وتحقيق الاستدامة والكفاءة الاقتصادية، وفتح الأسواق العربية والاعتماد على الصناعات المحلية التنافسية والاستفادة القصوى من إمكانات كل دولة لخدمة هذا الإجراء المهم، خصوصًا في ظل التحديات التي تواجه العالم بشكل عام والمنطقة العربية خصوصًا جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وكذا لإيجاد حائط صد دائمًا ومواجه لأي تحديات مستقبلية، سعيًا لتحقيق الرفاه والتنمية لجميع شعوب الوطن واستكمال مسيرات البناء بخطى واثقة.