ومن المفارقات الدالة للمشاركة المصرية بقمة جدة للأمن والتنمية أنها شهدت اللقاء الأول الذي يجمع الرئيس السيسي بالرئيس بايدن بعد توليه مقاليد الحكم في أمريكا، وتأكدت فكرة المصالح المشتركة وأهمية الدولة المصرية بالنسبة لأمريكا والغرب بشكل عام، بعد أن استطاعت مصر خلال السنوات القليلة الماضية - وحتى الآن - أن ترسم صورتها الذهنية في وجدان الرأي العام العالمي الرسمي والشعبي، مؤكدة مكانتها الدولية، فقد أبدى الرئيس الأمريكي تطلع الإدارة الأمريكية إلى تفعيل أطر التعاون الثنائي المشترك، وتعزيز التنسيق والتشاور الإستراتيجي القائم بين البلدين الصديقين، وتطويره خلال المرحلة المقبلة، وهي مؤشرات دالة على الوعي بالقيمة المصرية لدى الدول الكبرى وكيف أن مصر لاعب أساسي وعنصر رئيسي في الحفاظ على توازن القوى ونسف فكرة هيمنة القوى الكبرى على المجريات السياسية في العالم التي كانت مستمرة عبر حقب ماضية، خصوصًا في ظل الدور المحوري الذي تلعبه مصر بمنطقة الشرق الأوسط والتوجهات الفاعلة للرئيس السيسي في حفظ السلم والأمن بالمنطقة، أكد ذلك التباحث حول القضية الفلسطينية وسبل إحياء عملية السلام، والتأكيد على موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية، وأهمية التوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة وفق المرجعيات الدولية.
أما كلمة الرئيس وحديثه الذي كان بمثابة الصوت الأبرز والشامل والجامع لأبعاد القضايا والملفات المُلحة، فقد وجه من خلاله رسائل لا مفر من الالتفات لها والاستماع إليها والاعتبار بها، من واقع الشراكة الكبرى وتقاطع المصالح بين الجميع في حاضر مأزوم ومُحمّل بالصراعات، سعيًا لبلوغ مستقبل يتسع للجميع وللأمل والعمل، كان حديث زعيم واعٍ تمامًا بقيمة مصر تاريخًا وحاضرًا ومستقبلًا في العالم كله، إذ أبرز التجربة المصرية الناجحة في فرض سلام الأقوياء، وأن التعاون لابد أن يكون باحترام قوة المنطق وإرادة الشعوب لا بمنطق القوة، سعيًا لتحقيق الاستقرار للجميع وبداية عهد جديد من الشراكة الإستراتيجية القائمة على المصالح المتبادلة والثقة واحترام خصوصية كل دولة، ومن هذه الرسائل الملهمة والقوية إرساء دعائم الديمقراطية في المجتمعات بصورة قويمة وحقيقية باحترام حقوق الإنسان والدولة الوطنية، وهي قيم فاصلة لضمان الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة، وكانت الرسالة الكبرى المؤكدة بأن تكاتف الدول العربية يمثل قوة دولية كبرى في مواجهة أي تحديات قائمة أو محتملة، هي التأكيد على أن الأمن القومي العربي لا يتجزأ وأن احترام سيادة الدول يحكم العلاقات العربية ويجب أن يحكم العلاقات مع دول الجوار الإقليمي والقوى الدولية مع إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وكذا التأكيد على مواجهة الإرهاب والتطرف، كما شمل الحديث عن التضامن الدولي لمواجهة أزمات الأمن الغذائي والطاقة والمياه والمناخ، شراكة ومسئولية وندية في التعامل مع هذه الأزمات بصوت النصح والمسئولية المشتركة من الجميع دون استثناء.
ولا يفوتنا هنا حديث الرئيس الفارق عن الأمن المائي، وتأكيده تجديد الالتزام بقواعد القانون الدولي الخاصة بالأنهار الدولية بما يتيح لجميع الشعوب الاستفادة من هذه الموارد الطبيعية بشكل عادل، وضرورة صون متطلبات الأمن المائي لدول المنطقة والحيلولة دون السماح لدول منابع الأنهار التي تمثل شرايين الحياة للشعوب كلها، بالافتئات على حقوق دول المصب، فكان أمرًا طبيعيًا أن يصدر البيان الختامي للقمة متضمًا الرؤية حول السد الإثيوبى، وتعبير القادة عن دعمهم للأمن المائي المصري، وضرورة التوصل لاتفاق بشأن ملء وتشغيل السد في أجل زمني معقول كما نص عليه البيان الرئاسي لرئيس مجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021، ووفقًا للقانون الدولي.