كل يوم تؤكد الدولة المصرية هذا الاهتمام بالقضايا المُلحة في العالم على المستويات كافة، والتي تشكل تحديًا ماثلًا أمام المجتمع الدولي، وذلك اتساقًا من فهم وتقدير لمفهوم العائلة البشرية الذي يجمع مصير دول العالم من واقع التشارك في هذه البقعة من الكون، ومن هنا نلحظ كيف أن الخطاب المصري في مختلف المحافل والمنتديات الدولية يؤكد دائمًا تلك المسئولية المشتركة لدول العالم في إنقاذ كوكب الأرض من المخاطر، سواء الطبيعية التي تحيط به، أو التي تنشأ نتيجة الممارسات البشرية السلبية تجاه هذا الكوكب والتي ينتج عنها أزمات مختلفة مثل أزمة التغيرات المناخية التي تعد من أخطر الأزمات التي يواجهها الإنسان منذ خلقه الله واستخلفه في الأرض، ومن ثم فإن مهمة إنقاذ الأرض هي بالضرورة مسئولية دولية تقع على عاتق العالم كله.
وفي هذا السياق الحيوي جاءت كلمات الرئيس السيسي بمنتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي بالعاصمة الإدارية الجديدة دالا على هذا الاهتمام والإحساس الإيجابي بالمسئولية، تأكيدًا على الريادة المصرية المتسقة مع الامتداد الحضاري والتاريخي الذي يرسخ قيم الخير والسلام والعيش الآمن، حيث تأكيد أهمية خلق الشراكات البناءة الهادفة لدفع التحول الأخضر وخصوصًا فى إفريقيا، وتحفيز العمل المناخي، وحشد جهود المجتمع الدولي نحو تمويل المناخ في القارة، إذ يأتي هذا المنتدى بالتزامن مع استضافة مصر لمؤتمر أطراف تغير المناخ في شرم الشيخ، كدليل على الأهمية التي توليها مصر لقضية تغير المناخ، وفي ظل ظروف دقيقة يمر بها العالم، ومؤكدًا أهمية التوافق حول رؤية شاملة لدعم الدول الإفريقية ورفع قدرتها على التكيف مع التغير المناخي، ولعل هذا الاهتمام الجاد من قبل مصر بهذه القضية الخطيرة هو ما دفع رائد المناخ البريطاني لمؤتمر الأطراف لاتفاقية التغيرات المناخية نيجل توبينج، أن يؤكد أن مصر تقود برنامجًا كبيرًا على مستوى القيادة والوزارات في عملية الحفاظ على البيئة وإحلال الطاقة الجديدة والمتجددة، وأن الدعم الدولي من المفترض أن يأتي من قبل المجتمع الدولي لتنفيذ المشروعات، ففي الوقت الذي تتأثر فيه مصر بأزمة التغيرات المناخية على الرغم من أنها لا تسهم في هذه الأزمة مثل الدول الصناعية الكبرى، نجد هذا الاهتمام الرائد بالقضية وتأكيد الرئيس بأن لدينا إمكانيات ضخمة نستطيع من خلالها المساهمة بشكل جيد في تقديم الطاقة النظيفة، وبشهادة توبينج هناك عملية تطوير لمواجهة التغيرات المناخية، وطموحات في مصر وخطة للطاقة الجديدة والمتجددة، كما أن هناك مشروعات تتم بصورة متسارعة من أجل الوصول إلى صفر انبعاثات من الكربون، وقد أطلقت مصر الإستراتيجية الوطنية للتغير المناخي 2050، التي تهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، من خلال التنمية المنخفضة للانبعاثات في مختلف القطاعات، وتعظيم كفاءة الطاقة، واعتماد اتجاهات الاستهلاك والإنتاج المستدامة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الأنشطة الأخرى غير المتعلقة بالطاقة، ومن واقع تجارب مصر الرائدة مع شركاء التنمية في تنفيذ مشروعات التكيف والتخفيف من تداعيات التغيرات المناخية، وفي ظل سعيها الدءوب للتحول الأخضر ومواجهة تأثيرات التغير المُناخي، إطلاق برنامج "نوفي" للتمويل والاستثمار في مشروعات المناخ وفقًا لمنهج متكامل بين قطاعات المياه والغذاء والطاقة، والاتجاه بقوة إلى استبدال أي محطة للطاقة الحرارية إلى متجددة.
وتبقى مصر دائمًا في صدارة المشهد الرائد، الذي أكده منتدى التعاون الدولي والتمويل الإنمائي والذي يشكل قوة دفع متزايدة في إطار الاستعداد لاستضافة مصر لمؤتمر المناخ في نوفمبر المقبل في الوقت الذي صارت فيه قضية تغير المناخ تمثل إحدى أولويات أجندة التنمية المستدامة، وحرصًا على بقاء الجنس البشري، عبر وقفات جادة ومساعٍ وتوصيات قابلة للتنفيذ؛ لأن جميع قراءات المستقبل تؤكد أن الأرض تواجه كارثة، وعلى الإنسان أن يفيق قبل فوات الأوان، ويبقى الأمل معقودًا على تخفيض الانبعاثات ونمو الاستثمار في الاقتصاد الأخضر.