بقلم : د. خالد قنديل
بعد نحو سبع سنوات من الانقطاع، أعلنت كل من السعودية وإيران الجمعة الماضي فى بيان بدا مفاجئا للبعض، التوصل لاتفاق يقضىبإعادة العلاقات الدبلوماسية التى انقطعت، وتبعها تدهور كبير فى العلاقات التي كانت بالأساس تمر بحالة من التوتر الشائك الملتهبة منذ١٩٧٩بعد قيام الثورة الإيرانية، وقد أشار البيان إلى أن العلاقات سوف تعود خلال شهرين، بالتزامن مع إحياء اتفاقات أمنية وتجارية موقعةبين البلدين من قبل. هذا التقارب الذي كان مثارًا للترحيب من جهات مختلفة، بينما شكل نوعًا من القلق لبعض القوى الخارجية، فما الذييمكن استقراؤه من هذه الخطوة التي أحدثت صدى واسعًا في ظل تغير الظروف الإقليمية والتطلع الدولي إلى عالم متعدد الأقطاب.
وفي سياق قراءة مشهد هذا التقارب ومحاولة تحليله وصولا إلى نتائج يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، لابد كذلك من عدم إسقاط الركنالثالث في هذا التقارب وهو الجانب الصيني، حيث ظهرت بكين في الصورة بقوة ليكون العملاق الآسيوى قنطرة التوافق، لتنجح الصين فيمالا يمكن تصوره على الأقل في الواقع الحالي في ظل زيادة التوتر، وفي ظل عجز الولايات المتحدة نفسها عن إبرام اتفاق نووى مع إيران،وفى ذروة تدهور العلاقات الأمريكية ــ الصينية، فإن هذا الحراك غير المعهود على الساحة الدبلوماسية للصين في الشرق الأوسط، إنمايقودنا إلى تطلعها وعزمها على توسيع نطاق تواجدها السياسي، وهي التي كانت تنأى بنفسها لعقود طويلة عن الأزمات الدولية، مركزةاهتمامها على العلاقات الاقتصادية، غير أن محاولات الولايات المتحدة المستمرة لتطويق الصين وإقامة التحالفات حولها دفع بكين لتجاوزخطوطها وعدم الاكتفاء بالحراك الاقتصادي المؤثر نحو نشاط سياسي أكبر وفي أحد الملفات الحساسة بالنسبة لقوى مختلفة منها إسرائيلوحليفها الدائم الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل وجود حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة وممارساتها الهمجية تجاه الشعب الفلسطيني من استيطان وقتل وهدم المنازل ومصادرةالأراضي واقتحامات المسجد الأقصى، فإن هذه الاتفاقية بين السعودية وإيران في هذا التوقيت تمثل بلا شك قلقا كبيرا لإسرائيل وهي التيكانت تطمح في تشكيل تحالف عربي مدعوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مواجهة إيران، وكانت تمني نفسها بنجاح الاتفاقالإبراهيمي مع الإمارات والبحرين وإسرائيل بل وزيادة رقعته، غير أنها تخشى الآن من انتكاسة المسار، والإبطاء في خطوات التطبيع معمعها، والذي يتعارض من منظورها بالقطع التقارب مع إيران وبدء مسار أوسع لمزيد العلاقات مع الدول العربية، حتى مع رؤية بعض الآراءداخل إسرائيل بأن الأمر ليس مقلقا بدرجة كبيرة، لكن مع ذلك لا يمكن إخفاء هذا القلق الإسرائيلي على المستوى الرسمي والانزعاج من هذهالخطوة التي قد يكون لها صدى إيجابي على الأوضاع في سوريا والعراق ولبنان واليمن، فضلا عن القضية الرئيسية القضية الفلسطينية،وعلى الرغم من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية ترحيبها بالاتفاق والمبادرة في سياق جهود المساعدة في إنهاء الحرب في اليمن، وتهدئةالتوترات في منطقة الشرق الأوسط"، وتأكيد المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، خلال مؤتمر صحفي بأن أمريكا على درايةبالاتفاق بين إيران والسعودية، لكن لا شك أن هناك خيبة أمل كبيرة لتغلغل الصين إلى منطقة النفوذ في الشرق الأوسط، وتأكيد القراءاتوالشواهد السابقة بأن واشنطن لم تعد اللاعب الوحيد هنا، وعلى المستوى العام فإن هذا التقارب ينم على أن المنطقة باتت على مفربة منتغيرات أكبر في موازين القوى وخرائط النفوذ والتحالفات، وتقديم المصالح الوطنية إلى الصفوف الأولى من الاهتمامات.