في مارس من العام الماضي، زار محمد شياع السوداني القاهرة للمرة الأولى، من بعد توليه منصبه رئيسًا لوزراء العراق، والتقى في تلك الزيارة كلا من الرئيس السيسي، والدكتور مصطفى مدبولي.
وكانت تلك الزيارة بمثابةٍ التأكيد الضمني والفعلي على اعتبار مصر بوابة العراق في سياق عودته لمحيطه العربي والإقليمي الطبيعي الذي تستأهله بلاد الرافدين.
ثم تكررت زيارة السوداني للقاهرة للمرة الثانية في يونيو من العام نفسه، على رأس وفد رفيع المستوى يضم اثني عشر وزيراً من الوزارات العراقية المختلفة الأمنية والخدمية، ومعهم عدد من رجال الأعمال العراقيين التقوا نظراءهم من مصر، وانعقدت أعمال اللجنة العليا المشتركة بين مصر والعراق، وقد شهدت بحث العلاقات الثنائية ومناقشة مجموعة من الملفات والقضايا المشتركة، وتأكيد وتوثيق الخطى نحو تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وقد جرى توقيع عددٍ كبير من مذكرات التفاهم منها ما بين وزارتي التجارة، للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وكذلك التفاهم في مجال السياحة، ومجال تبادل الخبرات بين وزارة التعاون الدولي ووزارة التخطيط العراقية، ومذكرة بين جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة بمصر، والبنك المركزي العراقي للتعاون في مجال تمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتحقيق النمو الاقتصادي، وغيرها من المذكرات التي اعتبرها السوداني خارطة طريق لمستقبل العلاقات بين حكومتي البلدين، خصوصًا أن العراقيين ينتظرون الكثير من مصر، من واقع القدرات والإمكانات، ومن ثم القدرة على المشاركة في مشروعات متعلقة بالبنية التحتية والصناعة والكهرباء والصحة وغيرها من مجالات الحياة الحيوية والأساسية في بناء الدول وتبوأ مستقبل آمن للأجيال، وهو التوجه الذي أكدته زيارات ولقاءات مختلفة، مثل مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، الذي تم التشديد فيه على دعم جهود العراق نحو تحقيق التنمية الشاملة والعمل على بناء التكامل الاقتصادي، والتعاون في قطاعات عدة تشمل الربط الكهربائي، والمياه والطاقة، والأمن الغذائي، ودائمًا في الصدارة مشاريع البنية التحتية، كأساس ضروري ولبنة أولى في جدار التنمية الحقيقية على جميع المستويات، سواء لتحقيق طفرة صناعية أو لتهيئة المُناخ المناسب للاستثمار داخليًا وخارجيًا.
وليمتد هذا الإصرار على التعاون البناء من أجل الاتكاء على قوة التكامل والتعاضد بين البلدين العريقين، والمضي قُدما في اتجاه البناء بما يحقق كثيرًا من الطموحات بل والاستحقاقات التاريخية لبلدين حضاريين كبيرين بحجم مصر والعراق، وظل رباط التاريخ معقودًا وممتدًا وصولا للحظة الراهنة التي تشهد توثيقًا جديدًا من خلال الاتفاق على التنمية والتحدي والمنافسة معًا ويدًا واحدة لبلوغ مستقبل زاهر، وهو ما اتضح وتأكد من الزيارة الأخيرة من الفريق مهندس كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، إلى العاصمة العراقية بغداد مترأسًا وفدًا رسميًا يضم رئيسي الهيئة العامة للطرق والكباري وجهاز تنظيم النقل البري الداخلي ورؤساء 13 شركة مصرية من كبريات الشركات المصرية المتخصصة في تنفيذ المشروعات التنموية ومشروعات البنية التحتية والطرق والكباري، ولقائه برجال العراق المسئولين المخلصين الذين يعون قدر وطنهم ويقدرون قيمته ويدعمون بكل الجهد طموحات شعب العراق في مستقبل واعد، ومنهم السادة العراقي وزير الصناعة والمعادن خالد بتال، ووزير النقل رزاق محيبس السعداوي ووزير الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة بنكين ريكاني العراقي، فضلا عن اللقاء برئيس هيئة الاستثمار العراقية، وليثمر هذا المحفل من التلاقي البناء عن الوقوف على مرتكزات داعمة ومؤكدة ومحركة لتدعيم التعاون بين البلدين الكبيرين في مجالات النقل والصناعة، وكذلك تأكيد ملامح مشاركة الشركات المصرية المتخصصة في أعمال البنية التحتية والطرق والكباري والمشروعات التنموية، وهي الزيارة التي تأتي بعد نحو أسبوعين من استقبال الرئيس السيسي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي جاء إلى القاهرة في زيارة رسمية على رأس وفد حكومي عراقي رفيع المستوى، ضم نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، ووزير التجارة، وعددًا من كبار المسئولين العراقيين، في لقاء أُعرب فيه عن الارتياح للمستوى المتميز الذي وصلت إليه العلاقات بين الدولتين، استنادًا إلى رصيد تاريخي كبير من الأخوة الصادقة والدعم المتبادل بين البلدين والشعبين الشقيقين، وتجديد حرص القيادة المصرية، على تأكيد دعم مصر الكامل لوحدة العراق وسيادته وسلامة أراضيه، وأيضًا دعم جميع الجهود في اتجاه تحقيق الاستقرار والأمن والتنمية به، وتأكيد مواصلة العمل على إنجاح المشروعات الهادفة لاستشراف ثمار التنمية في العراق الشقيق، الذي يجدد ويؤكد النية الصادقة وبالتجربة في استكمال توجهاته الرسمية وأحلام شعبه للانفتاح على التجربة المصرية، لتأكيد المسار الجديد للبلاد الذي يسترد عافيته كعملاق قد يكون أصابه بعض السقم في الماضي جراء عوامل كثيرة لا يد له فيها، لكنه يستفيق ليعود أقوى ويتبوأ مكانته في ساحة الازدهار.نقلا عن الاهرام