مستشفيات غزة والقانون الدولي خارج الخدمة
مستشفيات غزة والقانون الدولي خارج الخدمة

"من يبقى حتى النهاية سيحكي القصة، لقد فعلنا ما بوسعنا، تذكرونا، تذكرونا".. كلمات كتبها الدكتور محمود أبونجيلة، فوق السبورة البيضاء التي تُستخدم في التخطيط للعمليات الجراحية.. وأبونجيلة طبيب فلسطيني استُشهد في غارة جوية استهدفت مستشفى العودة بغزة في نوفمبر من العام قبل الماضي؛ أي بعد نحو شهر من بدء الغزو البربري والحرب الشرسة والقذرة على قطاع غزة، والمستمرة حتى هذه الساعة، مخلفةً دمارًا واسعًا، للأخضر واليابس والشجر والحجر، ولم يتوقف معها عداد الشهداء من الأبرياء أطفالًا ونساءً وشيوخًا ورجالًا، والذين بلغوا الآن نحو ستة وأربعين ألف شهيد، إضافة إلى مائة وعشرة آلاف مصاب وجريح.

الكلمات المختصرة للطبيب الفلسطيني الشهيد تُعد بمثابة صحيفةٍ يومية بل منشور يُكتب على مدار الساعة، إذ إن القصة المأساوية الكبرى لا تزال تُروى على نحو بغيض من قِبل المحتل، فلا مجال للتذكر وشريط المشاهد يدور دون توقف، ليطال حتى المراكز الصحية والمستشفيات، وآخرها مستشفى العودة الذي تعرض منذ أيام للاستهداف المباشر من الاحتلال على مدار ثمانين يومًا متصلة، لينضم مجددًا إلى قائمة المستشفيات التي طالها قصف الاحتلال، واستهداف مرضاها وطواقمها الطبية، وإلحاق الأضرار الجسيمة بها، وتدمير بنيتها التحتية الطبية، لتتفاقم الأزمة الإنسانية وتتعطل الخدمات الطبية للمرضى والمصابين والأطباء ومنها مستشفى كمال عدوان، الذي استهدفه الاحتلال الإسرائيلي في نوفمبر 2023، وتعرض للقصف المتكرر، وصولا إلى إحراقه وخروجه عن العمل تمامًا في ديسمبر الماضي، ومستشفى ناصر، الذي تضرر قسم الأطفال به بعد قصف مناطق قريبة منه، ومستشفى العودة، والإندونيسي، والشفاء، ومستشفى القدس، ومستشفى الأقصى، والأهلي العربي، والرنتيسي، ومستشفى حمد بن خليفة، والوفاء للتأهيل الطبي، ومستشفى محمد الدرة للأطفال.

كل ذلك حدث، ويحدث أمام قانون دولي من المفترض أنه يقر الحماية العامة والخاصة للمواقع المدنية، بحسب اتفاقية جنيف الرابعة، وكذلك البروتوكولان الإضافيان الأول والثاني لاتفاقيتي جنيف لعام 1977، ولاهاي لعام 1954، والحماية هنا تشمل جميع المواقع المدنية كالمنازل والجامعات والمدارس ودور العبادة والمستشفيات بموجب هذا القانون.

وبحسب اتفاقية جنيف الرابعة، فإن المستشفيات تحظى بحماية خاصة؛ إذ لا يجوز بأي حال الهجوم عليها، ويوجب القانون احترام المستشفيات وحمايتها.

وقد نص قانون الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر عام 1970 على أن منطقة المستشفى أو أي ملجأ مماثل لا ينبغي أن تكون هدفًا للعملية العسكرية، غير أن الملاحظ بوضوح وبجرأة واعتيادية هذا التجاسر من قبل الاحتلال الإسرائيلي على كل القوانين والأعراف، فلا شأن له بمرضى أو مصابين أو أطفال أو نساء، أو دور عبادة أو مؤسسات مدنية أو مستشفيات، ولمَ لا، طالما يلقى الدعم اللامحدود سواء بأبواق الغرب التي ترى حقه في الدفاع عن وجوده الباطل، أو بالإمداد المستمر من قبل أمريكا راعية الإرهاب والاحتلال والخراب في المنطقة والعالم كله، التي دأبت على استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي، ضد مشاريع القرارات المقدمة تطالب بالإجماع بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار يحترمه جميع الأطراف، فما كان من كل هذه المساندة التاريخية وعبر الرؤساء والمؤسسات الأمريكية، سوى أن أفلتت الحبل للثور الهائج، يذهب بمعاركه إلى الضفة مع استمرارها في غزة، وإلى لبنان مع استمرارها في غزة، وإلى سوريا مع استمرارها في غزة، ويبدو أن واشنطن لن تهدأ إلا بحرب ضروس أكبر تدخلها دول المنطقة والأطراف ذات المصالح في الشرق، الذين يحاربون بالوكالة وأيضًا بترتيب أمريكي غربي، فالإمداد سارٍ والسلاح يتدفق، ومنذ أيام أخطرت إدارة بايدن الكونجرس بصفقة أسلحة مع إسرائيل قيمتها ثمانية مليارات دولار تشمل طائرات هليكوبتر هجومية وذخائر لطائرات مقاتلة، وقذائف مدفعية وصواريخ جو-جو للطائرات، وقنابل ورؤوسًا حربية، فأي جهد دبلوماسية تدعي واشنطن انخراطها فيها؟! ولماذا ترسل بلينكن للتهدئة وهي من جانب آخر تشيطن الأجواء؟! وكم اتفاقًا للهدنة فشل قبل أن يبدأ؟! إن أمريكا لا تريد سلامًا في المنطقة، بل لا تريد سلامًا على وجه الأرض، فقط ترعى مصالح لها عبر ذراعها الخبيث لنهب ثروات ومقدرات الشرق ومحاولة البقاء كقوة كبرى وحيدة، بينما تتحكم في توجيه المؤسسات الدولية والقانونية لصالح رغباتها، حتى وإن أصدرت تلك المؤسسات ما يفيد بإحلال السلام عبر الحقوق التاريخية، فمجلس الأمن لم يمنع استمرار الاحتلال في إساءة استخدام مركزه كسلطة احتلال، من خلال ضم الأراضي وفرض السيطرة الدائمة على الأرض الفلسطينية المحتلة، ويقف المجلس عاجزًا أمام الاستمرار في إحباط حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وانتهاك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، الذي يستند إلى مبدأين رئيسيين لصون السلم والأمن الدوليين، هما حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومنع الاستيلاء على الأراضي بالقوة، تلك القواعد التي انتهكها الاحتلال بكل ببساطة وعلنا وبكل جرأة على مدار عقود، ودون حسابات لأي قوة أو قانون على الأرض، فإذا كانت المحكمة الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة، قد واجهتا هذا التحدي المأساوي التاريخي، غير أن مجلس الأمن لم تزل جهوده قاصرة وغير فاعلة، ولا يدافع عن هذه المبادئ الأساسية، ووفق هذا التوجه لابد أن يكون هناك ائتلاف قوي من دول المنطقة ذات الأهداف الموضوعية والتوافقية، بحيث يفرض هذا الائتلاف مسارًا جديدًا في المؤشر السياسي الدولي تجاه القضية الفلسطينية، بعدما ثبت فشل مسارات التفاوض البائسة، في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وانتشال الأرض المنكوبة والشعب المكلوم من كل هذا الدمار.نقلا عن الأهرام


الخبر السابق
موقف اعجبنى

التعليقات

أخبار شبيهة

بحث

مساحة اعلانية

آخر الصور

أخبار متميزة

وزير الإسكان " نتحدث بلغة الأرقام عن العاصمة الإدارية"

 حرصت الفنانة زينة، على تهنئة تامر حسنى بفيديو كليب "ناسينى ليه"

مع حلول فصل الشتاء تعرفي على فوائد شوربة العدس الدافئة

لايبزيج يقتنص فوزا ثمينا من أتليتكو مدريد في الدقائق الأخيرة ويتأهل لنصف نهائي دوري الأبطال للمرة الأولي في تاريخه

لماذا لا يتم احتساب ركلات جزاء للزمالك في بطولة دوري أبطال إفريقيا

الداخلية تكرم ضباط الشرطة بالمعاش في يوم الوفاء

 روسيا تخطط لزيادة إنتاج لقاح كورونا "سبوتنيك" 10 أضعاف خلال شهرين

فيلم "The Last Duel" يتجاوز ال8 ملايين دولار في شباك التذاكر العالمي

في قبضة الأمن العام.. ضبط مالك سلسلة صيدليات هارب من أحكام بالحبس بلغت 131 سنة

الإتحاد المصري لكرة القدم يتلقي خطابا من الفيفا بتشكيل لجنة جديدة خلال الساعات القادمة

مساحة اعلانية