سيد عبدالشافي هلال... قارئ من جيل العمالقة
الشيخ سيد عبدالشافى هلال
كتب سيد حمودة/
لم يبحث عن منصب أو شهرة أو جاهٍ، لكن كان هدفه الأول خدمة كتاب الله ونشر رسالته فى شتى بلدان العالم، عاش كل همه القرآن، كان قطباً صالحاً لا يخشى إلا الله، شهدت رحلاته القرآنية أكثر من (20) دولة فى شتى بقاع الأرض من مشرقها إلى مغربها، مثَّل مصر فى دول المجر وإفريقيا وأمريكا ودول أوروبا، تولى على مدار (25) عاماً نقابة قراء محافظة القليوبية.
ولد الشيخ سيد عبدالشافى هلال فى 29 مايو 1945م بقرية دمنهور شبرا، التابعة لمحافظة القليوبية، نشأ لأسرة بسيطة الحال، لكنها اشتهرت بحبها للعلم والثقافة والتفقه فى الدين، وحفظ القرآن الكريم، وتمنى والده أن يكون ابنه عالماً أو قارئاً مشهوراً، فلما بلغ الشيخ «سيد» سن الخامسة من عمره ذهب به والده إلى كتاب الشيخ «فرج عبدالعاطى» بقرية باسوس التابعة لمركز القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، فاقترح الشيخ فرج على والده أن يترك المدرسة الإلزامية من الصف الرابع بمدرسة القرية، لأنه أدرك بحسه أن ذلك الصبى به نبوغ غير مسبوق ولديه إقبال شديد على القرآن الكريم، بالإضافة إلى تمتعه بصوت عذب يستميل إليه القلوب والعقول، وقد وافق والده على هذا الاقتراح، كما فرح بما قاله عنه شيخ الكتاب، وبالفعل بدأ الشيخ «سيد» فى حفظ القرآن حتى أتمَّ حفظه كاملاً فى سن الثانية عشرة، ثم جود القرآن برواية حفص عن عاصم على يد الشيخ محمد عبدالغنى بقرية «نوى» بمحافظة القليوبية، ثم نصحه الشيخ «عبدالغنى» بأن يلتحق بمعهد القراءات بالأزهر الشريف كى يدرس علوم القرآن والقراءات والفقه والنحو والصرف وغيرها من العلوم الشرعية، وبالفعل التحق الشيخ «سيد» بمعهد القرآن بالأزهر، وبالرغم من فترة دراسته بالمعهد، فإنه كان يشارك فى إحياء المناسبات الدينية سواء فى شهر رمضان أو خلال الأيام العادية، ما زاد من شهرته فى قريته والقرى المجاورة لها، وكان عمره آنذاك لم يبلغ السابعة عشرة ولهذا كان والده يفتخر به، وكان يرى احترام وتقدير الناس لابنه فيسعد بذلك، وقد تمتع الشيخ «سيد» بصوت قوى وجهورى مميز، بالإضافة إلى أنه كان يهتم بأناقته فى ملبسه وشخصيته. كل ذلك كان سبباً فى أن ذاع صيته فى المنطقة كلها، وكان ما زال طالباً فى معهد القراءات الذى نال منه الشهادة العالية للقراءات عام 1965م، بعدها تقدم مولانا الشيخ «سيد» لاختبار الإذاعة أكثر من مرة كان أولاها فى السابع والعشرين من نوفمبر عام 1963م، لكن لجنة اختبار القراء قالت إنه كان يقلد الشيخ مصطفى إسماعيل فأعطته مهلة لمدة عام ليتدرب فيها على أن يستقل بشخصيته دون تقليد أحد، لكنه طُلِب لأداء فترة التجنيد، وبعد أن انتهى من أداء الخدمة العسكرية عمل بالتدريس فى المعاهد الأزهرية، بالإضافة إلى تلاوة القرآن الكريم أيضاً، وفى هذه الفترة تقدم مرة أخرى للإذاعة، واستطاع أن يجتاز اختبارات لجنة القراء، بعد أن تدرب على الاستقلال بشخصيته فى الأداء والقراءة، وكان ذلك فى عام 1976م، وكانت لجنة الاختبار تضم الشيخ رزق خليل حبة، رئيس لجنة تصحيح المصحف، والشيخ محمود كامل والشيخ سعيد السحار والشيخ محمود حافظ برانق.
سافر الشيخ سيد عبدالشافى هلال فى رحلات قرآنية إلى الكثير من دول العالم بتكليف من وزارة الأوقاف تارة، وبدعوة شخصية تارة أخرى، ومن هذه الدول أمريكا وتايلاند والإكوادور وسويسرا وتركيا والهند وباكستان والسعودية والإمارات، وقد سجل القرآن الكريم كاملاً مرتين، مرة فى نيوجيرسى بأمريكا، ومرة فى زيورخ بسويسرا، وكان له تأثير قوى على أهالى هذه البلاد فقد أسلم على يديه (14) رجلاً وامرأة بعد سماع القرآن الكريم ومنهم أخت رئيس الجمهورية.
كما دعته الإذاعة فى جزيرة زنجبار لتسجيل بعض القراءات القرآنية، فذهب الشيخ ولكنه رفض أن يسجل القرآن إلا بعد أن يسجل الأذان لأنه لم يستمع للأذان فى الإذاعة لمدة خمسة أيام، وأصرَّ على موقفه حتى استجاب له رئيس الإذاعة، وبعدها سجل بعض القراءات بصوته، وقد تزوج الشيخ «سيد» وأنجب أولاده، كلهم درسوا فى مراحل التعليم المختلفة، لكن لم يتخذ نفس طريقه فى التلاوة إلا نجله القارئ الشاب الشيخ «وليد» خريج كلية اللغة العربية بالأزهر الشريف الذى واصل طريق والده ليصبح خير خلف لخير سلف، وقد توفى القارئ الكبير الشيخ سيد عبدالشافى هلال بعد صراع مع المرض فى يوم الخميس فى التاسع من رمضان عام 1434 هـ فى 18 يوليو لعام 2013م، رحم الله مقرئاً من جيل الكبار وعلماً من أعلام التلاوة.