تُعد كسوة الكعبة المشرفة من مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، فكان تبع الحميري هو: أول من كسا الكعبة المشرفة.
ثم نالت مصر شرف كسوة الكعبة فخصصت قريتين وقف لها، هما: (بسوس وأبو الغيث) من قري محافظة القليوبية لكساء الكعبة المشرفة والحجرة النبوية ومقام إبراهيم، ثم أضافوا بعد ذلك سبع قري أخري لتكون عدد القرى تسع قري موقوفة للوفاء بالتزامات الكسوة.
من هو تبع الحميري؟
هو: يدعي تبع بن أسعد أبوبكر الحميري، كان ملكاً على بلاد اليمن، وحميري، وسبأ، استطاع أن يفتح مدناً كثيرة، ولما أراد أن يغزو مكة والمدينة، قد نوى أن يهدم الكعبة المشرفة فابتلاهُ الله عز وجل بمرض شديد، فقال له: أحد حاشيته إن سبب مرضه هو نيته في هدم الكعبة المشرفة، فلما تراجع عن هدمها ومنّ الله عليه بالشفاء رأي في المنام أمراً بكسوة الكعبة فكساها ببردة من اليمن، ونحر عندها وطاف بالبيت العتيق، قال رسول الله: يوماً لا تسبوا تُبع فإنه قد أسلم، ولكنّ الله تعالي أنزل على قوم تُبع العذاب لأنهم عصوا أنبياء الله، وظل ذلك حتى آلت الأمور إلى (قصي بن كُلاب) الجد الرابع للنبي محمد "صلي الله عليه وسلم"؛ حيث جمع القبائل تحت لواء واحد وعرض عليهم أن يتعاونوا فيما بينهم -كل حسب قدرته- في كسوة الكعبة وفي سقاية الحجيج وغيرها من خدمة حجاج بيت الله، ثم بُعث النبي "صلي الله عليه وسلم"، وطهر البيت من الأصنام وكل أعمال الرجز فكساها.
ومع بداية عهد الدولة الفاطمية:
تشرفت مصر بكسوة الكعبة؛ حيث اهتم الحكام الفاطميون بإرسال كسوة الكعبة وصناعتها كل عام من مصر، وكانت الكسوة في ذلك الوقت بيضاء.
عهد الدولة المملوكية:
ثم الدولة المملوكية في عهد السلطان الظاهر بيبرس كانت ترسل الكسوة إلى الكعبة؛ حيث كان المماليك يرون أن هذا الشرف لا يجب أن ينازعهم فيه أحد حتى ولو وصل الأمر إلى القتال من أجل هذا الشرف، ولما حاول ملك اليمن المجاهد في عام (751 هجرياً) أن ينزع الكسوة المصرية ليكسوها من اليمن، علمَ بذلك أمير مكة فأخبر المصريين فقبضوا عليه واقتادوه مكبلاً بالأغلال إلى مصر.
كما كانت هناك محاولات لنيل شرف كسوة الكعبة من قِبل الفرس والعراق ولكن سلاطين المماليك لم يسمحوا لأحد أن ينازعهم في هذا، وللحفاظ على هذا الشرف أوقف الملك الصالح إسماعيل بن عبدالملك الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر في عام (751 هجرياً ) وقفاً خاصاً لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل عام،وهذا الوقف عبارة عن قريتين من قرى محافظة القليوبية هما (بيسوس وأبو الغيث)، وكان يتحصل من هذا الوقف على مبلغ ( 8900 درهم سنوياً).
الدولة العثمانية:
وظل هذا النظام القائم إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني، واستمرت مصر في نيل شرف كسوة الكعبة حتى بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية، وفي عهد السلطان سليمان القانوني أضاف إلى الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قري أخري لتصبح عدد القرى المخصصة والموقوفة لكسوة الكعبة تسعة قري وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة.
اهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة وزركشتها وكذلك كسوة الحجرة النبوية وكسوة مقام إبراهيم عليه السلام.
وظلت الكسوة ترسل بانتظام من مصر كل عام يحملها أمير الحج معهُ في قافلة الحج المصري، وفي عهد محمد علي باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد الصدام الذي حدث بين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقافلة الحج المصرية في الأراضي الحجازية.
عام (1222 هجرياً - 1807 ميلادياً، ولكن أعادت مصر إرسال الكسوة عام(1228 هجرياً)، وفي العصر الحديث تأسست دار لصناعة كسوة الكعبة في حي الخُرنفش في القاهرة عام(1233 هجرياً- 1818 م) وهو حي عريق يقع عند التقاء شارع بين السوريين وميدان باب الشعرية، وما زالت هذه الدار قائمة حتى الآن تحتفظ داخلها بآخر كسوة صُنعت للكعبة.
واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام( 1963 م)، وكان يقام حفل رسمي وشعبي كبير في حي الخرنفش أمام مسجد القاضي عبد الباسط قاضي قضاة مصر ووزير الخزانة العامة والمشرف على صناعة الكسوة، ثم تخرج في احتفال بهيج وتخرج وراءها الجموع إلى ميدان الرميلة قرب القلعة.
ولما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة وذلك عام (1962 ميلادياً).